سورة القمر - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القمر)


        


{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3) وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4) حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ (5) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ (8)} [القمر: 54/ 1- 8].
أخرج البخاري ومسلم والحاكم- واللفظ له- عن ابن مسعود قال: رأيت القمر منشقا شقين بمكة، قبل مخرج النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالوا: سحر القمر، فنزلت: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ}.
والمعنى: قربت القيامة ودنت، لكنّ وقتها مجهول التحديد، أخرج الإمام أحمد والبخاري ومسلم والترمذي، عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «بعثت والساعة كهاتين» وأشار بالسبّابة والوسطى.
وانشق القمر فعلا نصفين، معجزة للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم، وآية ظاهرة على قرب القيامة وإمكانها.
أخرج الإمام أحمد والبخاري ومسلم وغيرهم عن أنس: أن أهل مكة سألوا رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم أن يريهم آية، فأراهم القمر شقتين، حتى رأوا حراء (وهو جبل مشهور بمكة) بينهما.
لكن المشركين ظلوا على عنادهم، فإنهم وإن يروا علامة على النبوة وصدق النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، يعرضوا عن التصديق والإيمان بها، ويولّوا مكذبين بها، قائلين: هذا سحر محكم قوي، من المرّة أي القوة، أو دائم مطرد متماد. وكذبوا بالحق الساطع حين جاءهم، وهو آيات الله الظاهرة، اتبعوا شهواتهم، لا بدليل، ولا بتثبّت، بسبب جهلهم وسخفهم، فهددهم الله ورد على تكذيبهم وأخبرهم بأن كل أمر مستقر، أي كل شيء منته إلى غاية، فالحق يستقر ثابتا ظاهرا، والباطل يستقر زاهقا ذاهبا، ومن جملة ذلك أمر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم سينتهي إلى غاية يظهر فيها أنه على حق، وأنهم على باطل.
ثم ونجّهم الله على إصرارهم على الكفر وعلى ضلالهم، فقال: {وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4)} أي وتالله لقد جاء مشركي مكة وأمثالهم من أخبار الأمم المكذبة رسلها، وما حل بهم من العقاب والنكال، مما أخبر به القرآن، ما فيه كفاية لزجرهم وكفّهم عما هم فيه من الشرك والوثنية، ويدخل في كلمة (الأنباء) جميع ما جاء به القرآن من المواعظ والقصص وأحداث الأمم الكافرة.
وهذه الأنباء وما فيها من عبرة وعظة وهداية: حكمة بالغة كاملة، قد بلغت منتهى البيان، ليس فيها نقص ولا خلل، فلا تفيدهم الإنذارات شيئا بسبب عنادهم الذي يصرفهم عن الحق، كما جاء في آية أخرى: {وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} [يونس: 10/ 101] وكلمة (ما) إما نافية، أو استفهامية بمعنى التقرير، أي فما غناء النذر مع هؤلاء الكفرة؟ والحكمة البالغة: هي المؤثرة تأثيرا بالغا في وعظ النفوس.
فأعرض عنهم يا محمد، ولا تتعب نفسك بدعوتهم، حيث لا يؤثر الإنذار فيهم، بعد هذا العناد والمكابرة، وانتظرهم، واذكر يوم يدعو الداعي فيه وهو إسرافيل، إلى شيء هائل تنكره نفوسهم، استعظاما له، إذ لا عهد لهم بمثله أبدا، وهو موقف الحساب الرهيب، وما يشتمل عليه من الأهوال والبلايا. وكلمة (نكر): منكور غير معروف، ولا يرى مثله، وهو نعت للأمر الشديد، وهذا وعيد لهم.
وذلك اليوم هو يوم يخرج الناس من قبورهم، ويكون الكفار ذليلة أبصارهم، من الذل والهوان، كأنهم لانتشارهم واختلاطهم إذا توجهوا نحو المحشر والداعي: جراد منتشر موزع في الآفاق، أو مثل الفراش المبثوث، كما في آية أخرى: {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ (4)} [القارعة: 101/ 4].
ويكونون مهطعين، أي مسرعين في مشيهم نحو المقصد، إما لخوف أو طمع ونحوه، ويسيرون نحو الداعي لهم وهو إسرافيل دون تلكؤ ولا تأخر، ويقول الكافرون: هذا يوم صعب، شديد الهول على الكفار، ولكنه ليس بشديد على المؤمنين. وشدته لما يرون من مخايل هوله وعلامات مشقته. وذلك كما جاء في آية أخرى: {فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10)} [المدثر: 74/ 9- 10].
ويدل ذلك بطريق المفهوم على أنه يوم هيّن يسير على المؤمنين.
قصة نوح عليه السّلام مع قومه:
ساق الله تعالى في قرآنه قصص الأقوام السابقين، وعيدا لقريش وضرب مثل لهم، ومن أقدم هذه القصص: قصة نوح عليه السّلام مع قومه، فإنهم كذبوه، وزجروه عن تبليغ الدعوة بالسب والرد القبيح والتخويف، ووصفوه بأنه مجنون.
فاستنجد بربه، فأجابه، ودمّر القوم بالطوفان. وهذه هي نهاية الظلمة الذين عارضوا الرسل، وقاوموا الدعوة إلى اللّه ووحدانيته، واتبعوا الأهواء، وصدوا عن سبيل اللّه، سبيل الحق والعدل وتوحيد اللّه، فكان لابد من التذكير بقصتهم للاعتبار والاتعاظ، كما يبدو في هذه الآيات:


{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ (14) وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (16) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17)} [القمر: 54/ 9- 17].
هذه القصة من قصص أربع في هذه السورة وعيد للمشركين حين نزول الوحي، على تكذيبهم رسولهم نوحا عليه السّلام، فلقد كذبت قبلهم قوم نوح بالرسل، حيث كذبوا عبد اللّه نوحا عليه السّلام، واتهموه بالجنون، وزجروه عن دعوة النبوة وتبليغها بأنواع الأذى والتخويف. قوله: {عَبْدَنا} تشريف وتنبيه على أنه هو الذي حقق العبودية لله، فلم يكن على وجه الأرض في وقته عابد سواه، فكذبوه.
فدعا نوح عليه السّلام ربه تعالى قائلا: إني ضعيف عن مقاومة هؤلاء، فانتصر أنت لدينك، بعد علمك بتمردهم وعنادهم، فأجابه اللّه: لقد صببنا عليهم ماء غزيرا كثيرا متدفقا. وكلمة (أبواب السماء) هي تشبيه ومجاز، لأن المطر كثر كأنه من أبواب. ومنهمر: شديد الوقوع وغزير.
وجعلنا الأرض كلها عيونا متفجرة، وينابيع متدفقة، فالتقى ماء السماء، وماء الأرض، على أمر قد قضي عليهم، ورتبة وحالة قد قدرت في الأزل وقضيت، أو على مقادير قد قدرت ورتبت وقت التقائه، وهو وصف الطوفان لعقابهم والانتقام منهم.
وحملنا نوحا عليه السّلام على سفينة ذات ألواح: وهي الأخشاب العريضة، ودسر: وهي المسامير التي تشدّ بها الألواح، وهذا الإيجاز من فصيح الكلام وبديعه.
تسير السفينة بمنظر ومرأى منا، وحفظ وحراسة لها، جزاء لهم على كفرهم بالله، وانتصارا لنوح عليه السّلام، لأن إرساله نعمة، وتكذيبه كفران موجب للنقمة. وهذا دليل على ضرورة اتخاذ الأسباب، لتحقيق النتائج المرجوة. فقوله: {بِأَعْيُنِنا} معناه بحفظنا وكفايتنا وتحت نظر منا لأهلها.
ولقد أبقينا خبر السفينة عبرة للمعتبرين، أو تركنا هذه الفعلة التي فعلناها بهم عبرة وعظة، فهل من متعظ يتعظ بهذه الآية ويعتبر بها؟! فانظر أيها السامع كيف كان عذابي لمن كفر بي، وكذب رسلي، ولم يتعظ بإنذاراتي التي جاء بها المرسلون، وكيف انتصرت لهم وثأرت لهم، وكيف كانت إنذاراتي؟ وهو اطلاع لقريش على سبيل التوبيخ والتخويف، معناه: كيف كان عاقبة إنذاري، لمن لم يحفل به، مثلكم أيها القوم؟ وجمع النّذر: إشارة إلى غلبة الرحمة الغضب، لأن الإنذار وهو الاعلام المتقدم رحمة وشفقة. وقوله: {كُفِرَ} معناه جحد به.
ولقد سهلنا القرآن وقرّبناه للحفظ عن ظهر قلب، ويسرنا إدراك معناه لمن أراده للتذكر، فهل من متعظ بمواعظه، معتبر بعبره؟! إن اللّه تعالى يسّر حفظ القرآن وفهم معانيه، بما فيه من حسن النظم، وشرف المعنى، فله التصاق بالقلوب مع محبة، وامتزاج بالعقول السليمة مع قناعة. وقوله تعالى في نهاية هذه القصة وبقية القصص الأربع: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} استدعاء وحض على حفظه وتذكر مراميه، لتكون زواجره وعلومه وهداياته حاضرة في النفس. وهي تعداد نعم اللّه تعالى في أنه يسّر الهدى.
والحكمة من تكرار: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17)} تجديد التنبيه على الاستذكار والاتعاظ، والتعرف على تعذيب الأمم السابقة، والاعتبار بحالهم.
وهكذا كان حكم تكرار آية الرحمن: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (13)} عند عدّ كل نعمة، وفي سورة المرسلات عند عدّ كل آية، لتكون ماثلة أمام الأذهان، محفوظة في كل أوان، وكذلك تكرار هذه القصص في القرآن بعبارات مختلفة، لتنبيه الغافل على أن كل موضع له فائدة، لا تعرف في غيره.
قصة عاد وثمود:
تكرر بعد تكذيب قوم نوح برسولهم تكذيب قبيلتي عاد وثمود برسوليهم هود وصالح عليهما السّلام، وكان الجزاء الماحق مثل جزاء من قبلهم، وتشابهت الجرائم وتماثلت العقوبات، من أجل تحقيق غاية واحدة: هي زجر الكافرين عن كفرهم، ونقلهم من ذل الكفر والمعصية إلى عز الإيمان والطاعة. فإذا بقوا على مواقفهم لم يبق بعدئذ عذر لهم، ويكون عقابهم حقا وعدلا، وهذا ينبغي أن يكون أمثولة مستحضرة في أذهان المناوئين والمعارضين لدعوة الإسلام والحق على يد خاتم النبيين المرسل إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا، قال اللّه تعالى مبيّنا قصتين بعد قصة نوح عليه السّلام:


{كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (18) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (20) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (21) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (22) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (24) أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25) سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26) إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28) فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ (29) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (30) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (32)} [القمر: 54/ 18- 32].
كذبت قبيلة عاد العربية، قوم هود عليه السّلام رسولهم، فانظروا أيها المخاطبون من قريش وغيرهم كيف كان عذابي لهم، وإنذاري إياهم.
وقوله {فَكَيْفَ} كانَ كيف منصوب إما على خبر (كان) وإما على الحال، و(كان) بمعنى وجد ووقع في هذا الوجه. والنذر: جمع نذير.
إنا سلطنا عليهم ريحا شديدة الصوت والبرد، في يوم شؤم عليهم، متتابع أو دائم الشؤم حتى أهلكهم ودمّرهم. قال قتادة: استمر بهم ذلك النحس حتى بلغهم جهنم.
تقتلع الناس من الأرض اقتلاع النخلة من أصلها، أي إنهم كانوا يتساقطون على الأرض أمواتا، وهم جثث طوال عظام، كأنهم بقايا أو مؤخرات نخل منقلع عن مغارسه، أي إن ما تقطّع وتشعب من شخص الإنسان يشبه أعجاز النخل، والنخل: تذكر وتؤنث، فلذلك قال: منقعر. والكاف في قوله: {كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ} في موضع الحال.
فانظروا كيفية عقابي وإنذاري، ولقد سهّلنا القرآن للحفظ والاستذكار والاتعاظ، فهل من متذكر متعظ؟! والإنذار بالتخويف وهزّ الأنفس. قال الرّمّاني: لما كان الإنذار أنواعا، كرر التأكيد والتنبيه. وفائدة تكرار قوله تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ} التأكيد والتحريض وتنبيه الأنفس.
كذبت أيضا بالنذر، أي الرسل قبيلة ثمود قوم صالح عليه السّلام، وهم أهل الحجر بين الحجاز والشام، وتكذيب نبيهم صالح عليه السّلام تكذيب لجميع الرسل، لاتفاقهم على أصول الدين، فقالوا حسدا منهم لصالح عليه السّلام، واستبعادا أن يفضل نوع من البشر بعضه الآخر: أنكون جميعا، ونتّبع واحدا؟ وكيف نتبع بشرا من جنسنا، منفردا وحده، لا تبع ولا متابع له على ما يدعو إليه؟ لقد خبنا وخسرنا إن أطعنا واحدا منا، وإنا إذا اتبعناه نحن في خطأ وبعد عن الصواب، وفي أمر متلف مهلك بالإتلاف، وفي احتراق نفس هما وحنقا باتباعه، أو في جنون أو عناء.
كيف خص بالوحي والنبوة من بيننا، وفينا من هو أحق بذلك منه؟ بل هو كذوب متجاوز الحد فيما يدّعيه من نزول الوحي عليه، ومتكبر بطر. والأشر: البطر المرح، أي ليس الأمر كما يزعم، فكأنهم بهذا الوصف اتهموه بأنه أراد الاستعلاء عليهم وأن يقودهم وهم يطيعونه.
فرد اللّه عليهم مهددا ومتوعدا بقوله: { سَيَعْلَمُونَ غَداً} أي سيعرفون عما قريب في المستقبل وقت نزول العذاب بهم في الدنيا أو في يوم القيامة، وسيتبين لهم من المفتري الكذاب، البالغ الحد في كونه أشرا، أصالح في تبليغ الرسالة أم هم في تكذيبهم إياه؟ والمراد أنهم هم الكذابون البطرون المتكبرون.
ولقد أرسلنا لهم الناقة العظيمة التي اقترحوها أن تخرج من صخرة صماء من الجبل، وذلك على سبيل الاختبار والامتحان، فانتظر ما يؤول إليه أمرهم بارتقاب الفرج والصبر.
وأخبرهم أن ماء البئر أو النهر الصغير مقسوم بينهم وبين الناقة، لها يوم ولهم يوم، وكل نصيب من الماء يحضره صاحبه في نوبته، فتشرب الناقة في يوم ويشربون هم في يوم آخر، أو إنهم يشربون من الماء يوما، ومن لبن الناقة يوما آخر، فكأنه تعالى أنبأهم بنعمة اللّه تعالى عليهم في ذلك.
ولكن ثمود ملّوا هذه القسمة، فتجرأ أحدهم وأشقاهم وأجرؤهم بتواطؤ معهم على عقر الناقة، فأهوى بسيفه على قوائمها، فكسر عرقوبها، ثم نحرها. فعاقبتهم، فانظروا كيف كان عقابي لهم على كفرهم بي، وتكذيبهم رسولي الذي يخوفهم عذاب اللّه تعالى.
وتعاطى: مطاوع طاوع، كأن هذه الفعلة تدافعها الناس، فتناولها هذا الشقي. إنا أرسلنا عليهم صيحة جبريل، فصاح بهم، فأبيدوا جميعا، وصاروا كعشب أو تبن صاحب الحظيرة الذي جمعه فيها، أو كالشجر اليابس المتهشم. ولقد سهلنا القرآن للتذكر والاتعاظ، فهل من متعظ؟!
قصة لوط وآل فرعون:
من غرائب القصص: قصة قوم لوط، فإن الأمم الأخرى كذبوا الرسل وأصروا على العناد والكفر، أما قوم لوط فقد ضموا إلى ذلك اقترافهم فاحشة خطيرة هي اللواط، وارتكبوا سفساف الأخلاق وأدناها، وأكثرها إخلالا بالمروءة، فكان عقابهم- وهو الخسف وقلب ديارهم عاليها سافلها- فريدا من نوعه بين أنواع العقاب الإلهي، تطهيرا للأرض أو البيئة من مفاسدهم وموبقاتهم. وهذا ما أنبأ به القرآن في الآيات الآتية:

1 | 2